غياب الرئيس التونسي يثير الجدل وسط مخاوف من أزمة دستورية
تانيد ميديا : أثار غياب الرئيس التونسي قيس سعيد لمدة تجاوزت العشرة أيام دون إجراء نشاط رسمي أو زيارة ميدانية لإحدى المناطق جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، ليقتنص العديد من معارضيه فرصة صمت الحكومة والأجهزة الرسمية للترويج لشائعات عن تعرضه لأزمة صحية ألزمته الإقامة في المستشفى العسكري، وذلك وسط مخاوف من أزمة دستورية.
ويرى مراقبون أن استثمار خصوم الرئيس سعيد في غيابه والترويج لمرضه لا يخلو من مكر سياسي لبث البلبلة في البلاد وإعادة سيناريو 2011، وذلك في محاولة يائسة للعودة إلى السلطة خصوصا وأن مروجي الشائعات يدعون النواب المعزولين إلى العودة إلى البرلمان السابق المنحل وإخراج النواب الجدد منه.
ويشير هؤلاء المراقبين إلى أن محاولات حركة النهضة الإسلامية وحلفائها للعودة إلى البرلمان باقتناص فرصة غياب الرئيس قيس سعيد ستبوء بالفشل، فالأجهزة الأمنية والعسكرية بمعاضدة الشعب سيحمون المؤسسات مثلما حدث ذلك في 2011، عقب الإطاحة بالنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
ويبدي كثيرون مخاوف من أن تشهد تونس أزمة دستورية في حال تأكد مرض الرئيس سعيد وتعذر عليه القيام بمهامه، فالفصل 107 من دستور 2022 ينص على أنه في حالة تعذر وقتي لرئاسة الجمهورية تتولى رئيسة الحكومة مهام الرئاسة، أما الفصل 109 فينص على أنه في حالة شغور نهائي يتولى رئيس المحكمة الدستورية مهام الرئاسة لمدة 45 يوما.
والحال أن تونس لم ترسي بعد المحكمة الدستورية التي تعنى بفض النزاعات القانونية ما يجعل المشهد السياسي يتجه نحو مزيد من الاحتقان والتأزيم في ظل الصراع على السلطة.
ومنذ 23 مارس الماضي لم يطرأ أي نشاط علني للرئيس سعيد كما لم تنشر صفحة الرئاسة التونسية على موقع فيسبوك أي أنشطة أو مقابلات رسمية له، رغم أن البلاد تشهد حاليا حركة دبلوماسية كبيرة، وخاصة في ظل المخاوف التي يبديها الغرب حول احتمال تعرّض البلاد للإفلاس.
وتُظهر الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على فيسبوك أن آخر ظهور للرئيس كان في 22 مارس الماضي تبعه بيان حول اتصال هاتفي في اليوم التالي مع أمير دول الكويت بمناسبة حلول شهر رمضان.
وقبل ذلك التاريخ لم تظهر أي متاعب على الرئيس سعيد ولكن الغياب أثار أسئلة على نطاق واسع بشأن وضعه الصحي.
وقبل أيام، أثارت وكالة نوفا الإيطالية، جدلا بعدما تحدثت عن “إلغاء” الرئيس سعيّد لقاءً مبرمجاً مع المفوّض الأوروبي للاقتصاد باولو جنتيلوني، الذي وصل إلى تونس لمناقشة خطة إنقاذ لاقتصادها المتعثّر، دون ذكر الأسباب.
كما قام وزير الخارجية، نبيل عمّار باستلام أوراق اعتماد السفير البرازيلي الجديد، فرناندو جوزيه دي آبرو، رغم أن البروتوكول يقتضي أن يقوم سعيّد بهذه المهمة.
ولم يقدم وزير الصحة علي مرابط أثناء حضوره مؤتمر صحافي الأحد أي معلومات عن صحة الرئيس لدى سؤاله من قبل الصحافيين.
وبينما لم تنشر أي جهة رسمية تفاصيل هذا الاختفاء غير المعتاد لأعلى هرم في السلطة، سعت بعض وسائل الإعلام الأجنبية وأيضا بعض الشخصيات المعارضة إلى الترويج لبعض الشائعات عن تعرض الرئيس لوعكة صحية وأنه يعالج في المستشفى العسكري وذلك في إطار الصراع السياسي.
ونشرت صحيفة “لوموند أفريك” مقالا قالت فيه أن مشاكل صحية “خطيرة جدا” هي سبب غياب سعيد عن الساحة التونسي ضحية لاضطرابات القلب الناجمة عن العلاجات الشديدة التي يتبعها لعلاج اضطرابات المزاج الشديدة والمتكررة.”
وبدوره، قدم الإعلامي مقداد الماجري في فيديو نشره على فيسبوك جملة من التفاصيل، قائلا “أضع شرفي على هذه المعلومات، وسط تكتم عن وضعية الرئيس وسياسة القصر القائمة على الغرف المظلمة تجبرنا عن الحديث عن الموضوع أؤكد أن الرئيس مقيم بالمستشفى العسكري بقسم الإنعاش منذ أيام وقد تعرض لجلطات دماغية خفيفة، كما أنه يعاني منذ سنوات من قصور في القلب والتهاب رئوي”.
الراصد: من ناحية أخرى، طالب إعلاميون ونشطاء بالكشف عن حقيقة وضع الرئيس الصحي، وأطلقت الصحافية خولة بوكريم وسم “يا حكومة سيب المعلومة”، مؤكدة أنها ذهبت إلى المستشفى العسكري ولم تلحظ وجود أي تعزيزات أمنية أو عسكرية تشير ظاهريا إلى وجود رئيس الدولة كما حدث أثناء إقامة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في المستشفى نفسه.
وكتبت النائب فاطمة المسدي “كل مرة يلجأون للإشاعات بخصوص صحة الرئيس لبث البلبلة.. منامة عتارس (أوهام) لمن ينتظر الإفلات من المحاسبة”.
وقال رجل القانون أمين محفوظ الذي عينه الرئيس سعيد ضمن لجنة أشرفت على النقاشات بشأن الدستور الجديد “نرجو السلامة لرئيس الجمهورية ولكن من حق الشعب، أمام جسامة مسؤولية رئيس الجمهورية، الحصول عن المعلومة وبدقة”.
وليست هذه المرة الأولى التي يتطرق فيها معارضو قيس سعيد إلى ملفه الصحي فقد سبق أن ألمح المرشح الرئاسي السابق نبيل القروي خلال المناظرة التلفزيونية للدور الثاني من الرئاسية إلى مرضه.
ويرى مراقبون أنه في ظل هذا الجدل يتوجب على الأجهزة الرسمية الخروج عن صمتها وإنارة الرأي العام و وقف نزيف هذه الشائعات التي أربكت المواطنين وصاروا يخشون على مصير بلادهم في ظل الصراع السياسي المحتدم على السلطة.